فصل: تفسير الآية رقم (151):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»



.تفسير الآية رقم (145):

{وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145)}
قوله تعالى: {وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلًا} هذا حض على الجهاد، وإعلام أن الموت لأبد منه وأن كل إنسان مقتول أو غير مقتول ميت إذا بلغ أجله المكتوب له، لأن معنى: {مُؤَجَّلًا} إلى أجل. ومعنى: {بِإِذْنِ اللَّهِ} بقضاء الله وقدره. و{كِتاباً} نصب على المصدر، أي كتب الله كتابا مؤجلا. وأجل الموت هو الوقت الذي في معلومه سبحانه، أن روح الحي تفارق جسده، ومتى قتل العبد علمنا أن ذلك أجله. ولا يصح أن يقال: لو لم يقتل لعاش. والدليل على قوله: {كِتاباً مُؤَجَّلًا}، {إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} [الأعراف: 34] {فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ} [العنكبوت: 5] {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ} [الرعد: 38]. والمعتزلي يقول: يتقدم الأجل ويتأخر، وأن من قتل فإنما يهلك قبل أجله، وكذلك كل ما ذبح من الحيوان كان هلاكه قبل أجله، لأنه يجب على القاتل الضمان والديه. وقد بين الله تعالى في هذه الآية أنه لا تهلك نفس قبل أجلها. وسيأتي لهذا مزيد بيان في الأعراف إن شاء الله تعالى. وفيه دليل على كتب العلم وتدوينه. وسيأتي بيانه في طه عند قوله. {قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ} [طه: 52] إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها} يعني الغنيمة. نزلت في الذين تركوا المركز طلبا للغنيمة.
وقيل: هي عامة في كل من أراد الدنيا دون الآخرة، والمعنى نؤته منها ما قسم له.
وفي التنزيل: {مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} [الإسراء: 18]. {وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها} أي نؤته جزاء عمله، على ما وصف الله تعالى من تضعيف الحسنات لمن يشاء.
وقيل: لمراد منها عبد الله بن جبير ومن لزم المركز معه حتى قتلوا. {وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ} أي نؤتيهم الثواب الأبدي جزاء لهم على ترك الانهزام، فهو تأكيد لما تقدم من إيتاء مزيد الآخرة.
وقيل: {وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ} من الرزق في الدنيا لئلا يتوهم أن الشاكر يحرم ما قسم له مما يناله الكافر.

.تفسير الآيات (146- 147):

{وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (147)}
قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} قال الزهري: صاح الشيطان يوم أحد: قتل محمد، فانهزم جماعة من المسلمين. قال، كعب بن مالك: فكنت أول من عرف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رأيت عينيه من تحت المغفر تزهران، فناديت بأعلى صوتي: هذا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأومأ إلي أن أسكت، فأنزل الله عز وجل: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفُوا} الآية. و{كَأَيِّنْ} بمعنى كم. قال الخليل وسيبويه: هي أي دخلت. عليها كاف التشبيه وبنيت معها فصار في الكلام معنى وكم وصورت في المصحف نونا، لأنها كلمة. نقلت عن أصلها فغير لفظها لتغير معناها، ثم كثر استعمالها فتلعبت بها العرب وتصرفت فيها بالقلب والحذف، فحصل فيها لغات أربع قرئ بها. وقرأ ابن كثير {وكائن} مثل وكاعن، على وزن فاعل، وأصله كي فقلبت الياء ألفا، كما قلبت في ييأس فقيل ياءس، قال الشاعر:
وكائن بالأباطح من صديق ** يراني لو أصبت هو المصابا

وقال آخر:
وكائن رددنا عنكم من مدجج ** يجيء أمام الركب يردي مقنعا

وقال آخر:
وكائن في المعاشر من أناس ** أخوهم فوقهم وهم كرام

وقرأ ابن محيصن {وكين} مهموزا مقصورا مثل وكعن، وهو من كائن حذفت ألفه. وعنه أيضا {وكأين} مثل وكعين وهو مقلوب كي المخفف. وقرأ الباقون {كَأَيِّنْ} بالتشديد مثل كعين وهو الأصل، قال الشاعر:
كأين من أناس لم يزالوا ** أخوهم فوقهم وهم كرام

وقال آخر:
كأين أبدنا من عدو بعزنا ** وكائن أجرنا من ضعيف وخائف

فجمع بين لغتين: كأين وكائن، ولغة خامسة كيئن مثل كيعن، وكأنه مخفف من كيئ مقلوب كأين. ولم يذكر الجوهري غير لغتين: كائن مثل كاعن، وكأين مثل كعين، تقول كأين رجلا لقيت، بنصب ما بعد كأين على التمييز. وتقول أيضا: كأين من رجل لقيت، وإدخال من بعد كأين أكثر من النصب بها وأجود. وبكائن تبيع هذا الثوب؟ أي بكم تبيع، قال ذو الرمة:
وكائن ذعرنا من مهاة ورامح ** بلاد العدا ليست له ببلاد

قال النحاس: ووقف أبو عمرو {وكأي} بغير نون، لأنه تنوين.
وروى ذلك سورة ابن المبارك عن الكسائي. ووقف الباقون بالنون اتباعا لخط المصحف. ومعنى الآية تشجيع المؤمنين، والامر بالاقتداء بمن تقدم من خيار أتباع الأنبياء، أي كثير من الأنبياء قتل معه ربيون كثير، أو كثير من الأنبياء قالوا فما ارتد أممهم، قولان: الأول للحسن وسعيد بن جبير. قال الحسن: ما قتل نبي في حرب قط.
وقال ابن جبير: ما سمعنا أن نبيا قتل في القتال. والثاني عن قتادة وعكرمة. والوقف- على هذا القول- على {قُتِلَ} جائز، وهي قراءة نافع وابن جبير وأبي عمرو ويعقوب. وهي قراءة ابن عباس واختارها أبو حاتم. وفيه وجهان: أحدهما أن يكون {قُتِلَ} واقعا على النبي وحده، وحينئذ يكون تمام الكلام عند قوله: {قُتِلَ} ويكون في الكلام إضمار، أي ومعه ربيون كثير، كما يقال: قتل الأمير معه جيش عظيم، أي ومعه جيش. وخرجت معي تجارة، أي ومعي. الوجه الثاني أن يكون القتل نال النبي ومن معه من الربيين، ويكون وجه الكلام قتل بعض من كان معه، تقول العرب: قتلنا بني تميم وبني سليم، وإنما قتلوا بعضهم. ويكون قوله: {فَما وَهَنُوا} راجعا إلى من بقي منهم.
قلت: وهذا القول أشبه بنزول الآية وأنسب، فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يقتل، وقتل معه جماعة من أصحابه. وقرأ الكوفيون وابن عامر {قاتَلَ} وهي قراءة ابن مسعود، واختارها أبو عبيد وقال. إن الله إذا حمد من قاتل كان من قتل داخلا فيه، وإذا حمد من قتل لم يدخل فيه غيرهم، فقاتل أعم وأمدح. و{الربيون} بكسر الراء قراءة الجمهور. وقراءة علي رضي الله عنه بضمها. وابن عباس بفتحها، ثلاث لغات. والربيون الجماعات الكثيرة، عن مجاهد. وقتادة والضحاك وعكرمة، واحدهم ربي بضم الراء وكسرها، منسوب إلى الربة بكسر الراء أيضا وضمها، وهي الجماعة.
وقال عبد الله بن مسعود: الربيون الألوف الكثيرة.
وقال ابن زيد: الربيون الاتباع. والأول أعرف في اللغة، ومنه يقال للخرقة التي تجمع فيها القداح: ربة وربة. والرباب قبائل تجمعت.
وقال أبان بن ثعلب: الربي عشرة آلاف.
وقال الحسن: هم العلماء الصبر. ابن عباس ومجاهد وقتادة والربيع والسدي: الجمع الكثير، قال حسان:
وإذا معشر تجافوا عن الح ** ق حملنا عليهم ربيا

وقال الزجاج: هاهنا قراءتان {رِبِّيُّونَ} بضم الراء- و{رِبِّيُّونَ} بكسر الراء، أما الربيون بالضم: الجماعات الكثيرة. ويقال: عشرة آلاف.
قلت: وقد روي عن ابن عباس {رِبِّيُّونَ} بفتح الراء منسوب إلى الرب. قال الخليل: الربي الواحد من العباد الذين صبروا مع الأنبياء. وهم الربانيون نسبوا إلى التأله والعبادة ومعرفة الربوبية لله تعالى. والله أعلم.
قوله تعالى: {فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} {وَهَنُوا} أي ضعفوا، وقد تقدم والوهن: انكسار الجد بالخوف. وقرأ الحسن وأبو الحسن وأبو السمال {وَهَنُوا} بكسر الهاء وضمها، لغتان عن أبي زيد. وهن الشيء يهن وهنا. وأوهنته أنا ووهنته ضعفته. والواهنة: أسفل الأضلاع وقصارها. والوهن من الإبل: الكثيف. والوهن: ساعة تمضي من الليل، وكذلك الموهن. وأوهنا صرنا في تلك الساعة، أي ما وهنوا لقتل نبيهم، أو لقتل من قتل منهم، أي ما وهن باقيهم، فحذف المضاف. {وَما ضَعُفُوا} أي عن عدوهم. {وَمَا اسْتَكانُوا} أي لما أصابهم في الجهاد. والاستكانة: الذلة والخضوع، واصلها {استكنوا} على افتعلوا، فأشبعت فتحة الكاف فتولدت منها ألف. ومن جعلها من الكون فهي استفعلوا، والأول أشبه بمعنى الآية. وقرئ {فما وهنوا}، {وما ضعفوا} بإسكان الهاء والعين.
وحكى الكسائي {ضعفوا} بفتح العين. ثم أخبر تعالى عنهم بعد أن قتل منهم أو قتل نبيهم بأنهم صبروا ولم يفروا ووطنوا أنفسهم على الموت، واستغفروا ليكون موتهم على التوبة من الذنوب إن رزقوا الشهادة، ودعوا في الثبات حتى لا ينهزموا، وبالنصر على أعدائهم. وخصوا الاقدام بالثبات دون غيرها من الجوارح لان الاعتماد عليها. يقول: فهلا فعلتم وقلتم مثل ذلك يا أصحاب محمد؟ فأجاب دعاءهم وأعطاهم النصر والظفر والغنيمة في الدنيا والمغفرة في الآخرة إذا صاروا إليها. وهكذا يفعل الله مع عباده المخلصين التائبين الصادقين الناصرين لدينه، الثابتين عند لقاء عدوه بوعده الحق، وقوله الصدق. {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} يعني الصابرين على الجهاد. وقرأ بعضهم {وما كان قولهم} بالرفع، جعل القول اسما لكان، فيكون معناه وما كان قولهم إلا قولهم: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا} ومن قرأ بالنصب جعل القول خبر كان. واسمها {إِلَّا أَنْ قالُوا}. رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا يعني الصغائر {وَإِسْرافَنا} يعني الكبائر. والإسراف: الافراط في الشيء ومجاوزة الحد.
وفي صحيح مسلم عن أبي موسى الأشعري عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يدعو بهذا الدعاء: «اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني» وذكر الحديث. فعلى الإنسان أن يستعمل ما في كتاب الله وصحيح السنة من الدعاء ويدع ما سواه، ولا يقول أختار كذا، فإن الله تعالى قد اختار لنبيه وأوليائه وعلمهم كيف يدعون.

.تفسير الآية رقم (148):

{فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148)}
قوله تعالى: {فَآتاهُمُ اللَّهُ} أي أعطاهم {ثَوابَ الدُّنْيا}، يعني النصر والظفر على عدوهم. {وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ} يعني الجنة. وقرأ الجحدري {فأثابهم الله} من الثواب. {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} تقدم.

.تفسير الآيات (149- 150):

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ (149) بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150)}
لما أمر الله تعالى بالاقتداء بمن تقدم من أنصار الأنبياء حذر طاعة الكافرين، يعني مشركي العرب: أبا سفيان وأصحابه وقيل: اليهود والنصارى.
وقال علي رضي الله عنه: يعني المنافقين في قولهم للمؤمنين عند الهزيمة: ارجعوا إلى دين آبائكم. {يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ} أي إلى الكفر. {فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ} أي فترجعوا مغبونين. ثم قال: {بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ} أي متولي نصركم وحفظكم إن أطعتموه. وقرئ {بَلِ اللَّهُ} بالنصب، على تقدير بل وأطيعوا الله مولاكم.

.تفسير الآية رقم (151):

{سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151)}
نظيره {وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ}. وقرأ ابن عامر والكسائي {الرعب} بضم العين، وهما لغتان. والرعب: الخوف، يقال: رعبته رعبا ورعبا، فهو مرعوب. ويجوز أن يكون الرعب مصدرا، والرعب الاسم. وأصله من الملء، يقال: سيل راعب يملأ الوادي. ورعبت الحوض ملأته. والمعنى: سنملأ قلوب المشركين خوفا وفزعا. وقرأ السختياني {سيلقي} بالياء، والباقون بنون العظمة. قال السدي وغيره: لما ارتحل أبو سفيان والمشركون يوم أحد متوجهين إلى مكة انطلقوا حتى إذا كانوا ببعض الطريق ندموا وقالوا: بئس ما صنعنا! قتلناهم حتى إذا لم يبق منهم إلا الشريد تركناهم، ارجعوا فاستأصلوهم، فلما عزموا على ذلك ألقى الله في قلوبهم الرعب حتى رجعوا عما هموا به. والإلقاء يستعمل حقيقة في الأجسام، قال الله تعالى: {وَأَلْقَى الْأَلْواحَ} [الأعراف: 150] {فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ} [الشعراء: 44] {فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ} [الأعراف: 107]. قال الشاعر: فألقت عصاها واستقر بها النوى ثم قد يستعمل مجازا كما في هذه الآية، وقوله: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي} [طه: 39] وألقى عليك مسألة.
قوله تعالى: {بِما أَشْرَكُوا بِاللَّهِ} تعليل، أي كان سبب إلقاء الرعب في قلوبهم إشراكهم، فما للمصدر. ويقال أشرك به أي عدل به غيره ليجعله شريكا.
قوله تعالى: {ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً} حجة وبيانا، وعذرا وبرهانا، ومن هذا قيل، للوالي سلطان، لأنه حجة الله عز وجل في الأرض. ويقال: إنه مأخوذ من السليط وهو ما يضاء به السراج، وهو دهن السمسم، قال امرؤ القيس:
أمال السليط بالذبال المفتل

فالسلطان يستضاء به في إظهار الحق وقمع الباطل. وقيل السليط الحديد. والسلاطة الحدة. والسلاطة من التسليط وهو القهر، والسلطان من ذلك، فالنون زائدة. فأصل السلطان القوة، فإنه يقهر بها كما يقهر بالسلطان. والسليطة المرأة الصخابة. والسليط الرجل الفصيح اللسان. ومعنى هذا أنه لم تثبت عبادة الأوثان في شيء من الملل. ولم يدل عقل على جواز ذلك. ثم أخبر الله تعالى عن مصيرهم ومرجعهم فقال: {وَمَأْواهُمُ النَّارُ} ثم ذمه فقال: {وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ} والمثوى: المكان الذي يقام فيه، يقال: ثوى يثوي ثواء. والمأوى: كل مكان يرجع إليه شيء ليلا أو نهارا.